تُعتبر الجسور الفولاذية رمزاً للتقدّم الهندسي في مجال الإنشاءات وتطوير البنى التحتية الحديثة، إذ تلعب دوراً محورياً في ربط المدن، وتجاوز العوائق الطبيعية، ودعم شبكات النقل. ويرجع تاريخ استخدام الفولاذ في بناء الجسور إلى منتصف القرن التاسع عشر، حين أدّى التطوّر في إنتاج الحديد ثم الفولاذ الصناعي إلى تمهيد الطريق لإنشاء جسور أكثر مقاومة وأوسع امتداداً من نظيراتها الحجرية أو الخشبية. ويُعدّ الجسر الحديدي “آيرن بريدج” الذي أُنشئ عام 1779 في إنجلترا من أوائل النماذج البارزة، غير أنّ ازدهار هذه الصناعة تسارع مع ابتكار تقنيات الدرفلة وأساليب التجميع المعدني الحديثة. وفي أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ظهرت جسور شهيرة مثل “جسر بروكلين” في نيويورك (1883) و”جسر غولدن غيت” في سان فرانسيسكو (1937)، اللذان شكّلا تحولات هندسية مذهلة بفضل الاعتماد على الهياكل الفولاذية ووصلات البراغي واللحام.
وفي إيران، يمتدّ تاريخ استخدام الجسور الفولاذية إلى أكثر من قرن، بدءاً من الجسور المتقدّمة في عهد رضا شاه مثل “جسر كارون 1” في الأهواز، وصولاً إلى الجسور الحديثة على الطرق السريعة والسكك الحديدية التي تتميّز بالمرونة العالية، والمتانة، وسرعة التنفيذ. وتُشيّد اليوم جسور فولاذية بأشكالٍ مختلفة — قوسية، شبكية، صندوقية، وكابِلية — باستخدام العناصر الفولاذية بابعاد متعددة وفقاً لاحتياجات المشروع والظروف الجغرافية. ومن الأمثلة اللافتة، “جسر أسالم” الفولاذي ذو القوس الذي يبلغ امتداده 70 متراً ويزن أكثر من ألف طن، وهو نموذج يجمع بين التكنولوجيا الحديثة، وتقنيات المسح الثلاثي الأبعاد، وتجميع القطع المُسبقة الصنع.
وعلى الرغم من هذه الإنجازات البارزة، فإن بناء وتشغيل الجسور الفولاذية يواجه تحدّيات تقنية وتنفيذية متعددة، من أهمها الحماية من التآكل والصدأ، إذ يتأثر المعدن بعوامل الرطوبة والمطر وتقلبات درجات الحرارة والعوامل البيئية الأخرى، لذلك فإن استخدام الطلاءات المقاومة للتآكل، وعمليات الجلفنة والدهان الصناعي، يُعدّ من المتطلبات الأساسية في هذا المجال. كما أنّ مراقبة الجودة في مراحل القص، اللحام، وتجميع القطع تُعتبر ذات أهمية بالغة، لأن أيّ خلل بسيط في الوصلات أو عملية التجميع يمكن أن يتسبّب بمشاكل إنشائية خطيرة.
أما من حيث التشغيل والصيانة، فإن الفحص الدوري، ومراقبة الاهتزازات والأحمال الديناميكية الناتجة عن حركة المرور، وضمان سلامة الوصلات يُشكّل ضرورة مستمرة. كما تبرز تحدّيات هندسية معقّدة مثل حساب الانحناء، وتوزيع القوى، وتصميم المقاطع الفولاذية المناسبة، والتوافق مع أدقّ المعايير العالمية، ما يجعل تنفيذ مشاريع الجسور الفولاذية عملاً هندسياً دقيقاً يتطلّب خبرة عالية.
وعلى الرغم من هذه الصعوبات، تبقى الجسور الفولاذية خياراً رائداً بفضل إمكانيّة التصنيع المسبق لعناصرها، وسهولة تنفيذها في المناطق الوعرة، وسرعة التشييد، وإمكانية تطويرها وتعزيزها مستقبلاً. وتلك السمات تجعل الجسور الفولاذية حتى اليوم واحدةً من أفضل الحلول الهندسية لمشاريع البنى التحتية الكبرى.










